من الآية 1 إلى الآية 4: ﴿ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ ﴾ (يُقسِم اللهُ تعالى بالسماء، وبالنجم الذي يَطرقها ليلاً) ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ﴾؟ يعني وما أدراك - أيها الرسول - ما عظمة هذا النجم؟، إنه ﴿ النَّجْمُ الثَّاقِبُ ﴾ أي هو النجم المُضِيئ المتوهِّج (الذي يَثقب الظلام بنوره)، ثم أخبَرَ سبحانه عن الشيء الذي يُقسِم عليه، فقال: ﴿ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ﴾ يعني: ما كُلُّ نفسٍ إلا وقد كُلِّفَ بها مَلَكٌ رقيبٌ عليها، يَحفظ أعمالها؛ لتُحاسَب عليها يوم القيامة.
من الآية 5 إلى الآية 10: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ ﴾ المُنكِر للبعث: ﴿ مِمَّ خُلِقَ ﴾؟ يعني مِن أيّ شيءٍ خَلَقَه اللهُ تعالى؟ (حتى يَعلم أن إعادة خَلْقه بعد الموت أهْوَن مِن ابتداء خَلْقه أوّل مرة)، لقد ﴿ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ﴾ أي خُلِقَ مِن مَنِيٍّ مُنصَبّ بسرعة في الرَحِم،وهذا الماء ﴿ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ ﴾ أي يَخرج مِن بين صُلب الرجل (وهو العَظم الذي في ظهره)، ﴿ وَالتَّرَائِبِ ﴾ وهو العظم الذي في صدر المرأة (فهذا العَظم هو الذي يَخرج منه ماء المرأة)، ﴿ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ ﴾: يعني إنّ الذي خَلَقَ الإنسان من هذا الماء الضعيف، لَقادرٌ سبحانه على رَجْعه إلى الحياة يوم القيامة ﴿ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ﴾ أي يوم تُخْتَبر أسرار الصدر فيما أخفته من العقائد والنِيّات، ويُمَيَّز الصالح منها من الفاسد، فحينئذٍ تُكشَف وتَظهر أمام الخلق (إلا مَن ستره اللهُ تعالى بستره الجميل، اللهم استرنا ولا تفضحنا)، ﴿ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ ﴾ يعني فما للإنسان حينئذٍ مِن قوةٍ يَدفع بها العذاب عن نفسه، وما له مِن ناصر يُخَلِّصه من عذاب الله.
♦ وهذا يُذَكِّرني بقول أحد التائبين: (اللهم لا براءةَ لي مِن ذنبٍ فأعتذر، ولا قوةَ فأنتصِر، ولكني مُذنِبٌ مُستغفِر، فاللهم أدخِل عظيمَ جُرمي في عظيمِ عفوك).
من الآية 11 إلى الآية 17: ﴿ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ ﴾ (يُقسِم اللهُ تعالى بالسماء ذات المطر المتكرر)، ﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾ يعني:ويُقسِم بالأرض ذات التشقق (أي التي تتشقق عندما يخرج منها النبات): ﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾ يعني إن القرآن لَقولٌ فاصل بين الحق والباطل ﴿ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ ﴾ أي ليس باللعب واللهو بل هو الجد كل الجد، ﴿ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا ﴾: يعني إن المُكَذِّبينَ للرسول والقرآن، يكيدون ويُدَبِّرونَ كيداً يَصرفونَ به الناس عن القرآن؛ ليُحافظوا على رئاستهم وسيادتهم، ﴿ وَأَكِيدُ كَيْدًا ﴾ يعني: ويَكيد اللهُ كَيدًا عظيماً - مُقابِلاً لكيدهم - ليُظهِر الحق، ولو كره الكافرون، ﴿ فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ ﴾ أي لا تستعجل عذابهم أيها الرسول، بل ﴿ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ﴾: يعني أمهِلهم قليلاً، وسترى ما يُصيبهم من العذاب والهلاك (سواء في الدنيا أو في الآخرة، أو فيهما معاً)، فقد نزل بهم العذاب يوم بدر، وأصابهم القحط والجوع سبع سنوات، ولَعذابُ الآخرة أشد وأبقى.
[1] وهي سلسلة تفسير لآيات القرآن الكريم، وذلك بأسلوب بسيط جدًّا، وهي مُختصَرة من (كتاب: "التفسير المُيَسَّر" (بإشراف التركي)، وأيضًا من "تفسير السّعدي" ، وكذلك من كتاب: " أيسر التفاسير" لأبي بكر الجزائري) (بتصرف)، عِلمًا بأنّ ما تحته خط هو نص الآية الكريمة، وأما الكلام الذي ليس تحته خط فهو التفسير.
- واعلم أن القرآن قد نزلَ مُتحدياً لقومٍ يَعشقون الحَذفَ في كلامهم، ولا يُحبون كثرة الكلام، فجاءهم القرآن بهذا الأسلوب، فكانت الجُملة الواحدة في القرآن تتضمن أكثر مِن مَعنى: (مَعنى واضح، ومعنى يُفهَم من سِيَاق الآية)، وإننا أحياناً نوضح بعض الكلمات التي لم يذكرها الله في كتابه (بَلاغةً)، حتى نفهم لغة القرآن.