فقراءُ الناس وضعفاؤهم ومساكينهم في الغالب أرقُّ قلوبًا وألْيَن أفئدةً، لأن قلوبهم لم تتشبع
من متع الحياة، وليس لهم شيء يتوهمون زواله عنهم باستجابتهم لدعوة الخير، بل إنهم لحاجتهم وشدتهم
يطمعون في بر الداعي إلى الخير، وإحسانه إليهم ويكفيهم منه البلغة والنوال اليسير.
ولهذا كان فقراء الأمم وأرقاؤهم من أول المستجيبين للرسل عليهم الصلاة والسلام في الجملة، كما قال قوم نوح
لنوح عليه السلام:﴿ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ﴾ [هود: 27]
وكما قال المستكبرون من قوم صالح للذين استضعفوا: ﴿ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 75].
وهكذا غيرهم من الأمم، وهكذا كان الفقراء والغرباء والعبيد من أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين أمر الله
نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصبر نفسه معهم، وعاتبه الله فيهم لما شغلته نفسه عنهم بالأكابر طمعًا في هدايتهم.
فالعناية بهذه الفئات من المجتمع من أسباب نجاح الدعوة ومن الدلائل على إخلاص الداعي وشفقته ورحمته بالناس، وأنه لا يريد من دعوتهم
أجرًا ولا تكثرًا، بل يريد هدايتهم لأنفسهم، وصلاحهم لإسعادهم دنيا وأخرى ومخالطتهم تزيده تواضعًا، ورفقةً ورحمةً، ورقةَ قلبٍ، وسكون نفسٍ.
فالفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والعمال وذوو المهن هم أوسع ميادين الدعوة ومقدمات نجاحه، وعلامات فلاحها
وصحة منهاجها، وتأسي الداعي بالنبي صلى الله عليه وسلم وإخوانه المرسلين والنبيين وأتباعهم في دعوة الناس.